عزيزى المؤلف المجهول
كلى ثقة فى قدومك يوما لتكتب هذه القصة العبقرية التى تفوق كل واقع وخيال. أسطورة إغريقية فى ثوب عصرى، إنها مصر اليوم، أهديها لك باعتبارها رواية طويلة تبحث عن مؤلف، جاءتك وجذبت غطاء القلم وقالت هيت لك وتمددت على الورق، حرك أصابعك ووجه سن القلم إلى السطور واكتب ماترى، هذا آخر الإبداع الروائى فلا تبحث عن رواية بعدها، لعلك تتفق معى، فلن يمكن لمبدع مهما علا إبداعه أن يبتكر شخصية أفاق فاسد تفوق فى تركيبيتها وغناها وتعدد أبعادها وخصوصية لغتها وتعبيرها ولزماتها شخصية كمال الشاذلى أو قانونى مناور وغويط يكذب كما يتنفس ويغضب وهو لا تفارقه الابتسامه مثل فتحى سرور ولن تجد مداحا وحابك مؤمرات من الطراز الأول أكذب وأشر من صفوت الشريف، وأظن وربما تظن معى أنه لن يجئ مبدع مهما شطح خياله بشخصية فقيه سلطة تفوق فى هزليتها سيد طنططاوى، أو شخصية نساج كلام يدعى أنه مفكر وهو موظف أبدى بائع لضميره وكلمته تفوق فى غناها وحركيتها مصطفى الفقى أو من تراه يرسم ملامح محترف لألعاب السيرك السياسى مثل شخصية على الدين هلال، أو كاتم أسرار وحارس لعش الفساد مثل زكريا عزمى أو ممثلى طبقة منتفعين تبيع كل شئ بما فيها الأوطان تفوق أحمد عز ومنصور والمغربى وحسين سالم، وفوق هذا وذاك لن تجد بالطبع من يستطيع أن يبدع شخصية عسكرى محدود العقل والفكر موضوع دون أن يدرى لماذا فوق منظومة للنهب ويحركونه من بعيد لبعيد مثل مبارك الذى تجاوز فى نهبه وعبادته لنفسه وظرفه وزلات لسانه وارتماءه فى احضان ناهبى البلاد من الخارج والداخل شخصيات من عينة موبوتو والقذافى، ولن أحدثك عن غنى شخصية الزوجة المتسلطة على هذا الطاغية فالسيدة سوزان جعبتها مليئة بالمفارقات والأحداث التى تغنى أى رواية محتملة، ربما تسألنى عن الكومبارس والمجاميع التى لا تخطئ فى حركتها وتقدم مشاهد الزحام والاندفاع والتصارع أين تجدها، صديقى صدقنى لن تجد حشود كومبارس أبرع فى حركتها وعفويتها ودقة آداءها خير من هؤلاء المارين أمامك فى ميدان التحرير المندفعين على سلالم المترو أو المهرولين محاولين القفز فى أتوبيس محشور بغيرهم وهو يهدئ فى الإشارة، شعب مصر سيصنع لك أجمل وأحلى خلفية، ولن تجد حبكه أبرع من أحداث توريث الدولة ومرحلتها الساخنة التى بدأت مع 2004 حتى اليوم، وهل هناك شاب أكره من جمال كى يكون الفالن مركز الرواية وممثل جانب الشر فيها جاهز بوجهه الجامع لملامح العنف الكامن والخبث والاضطراب النفسى وصوته الحاد الذى يعكس عنجهية واندفاع وكلماته التى تؤكد أنه مستعد لبيع كل شئ من أجل الاستمرار، علاوة على نظرات ذاهلة وعينان غير مستقرتان تمنحه بعدا عجائبيا، الرواية مكتملة زمانا ومكانا وأحداثا وشخوص، بقى مؤلف ينتقى من الحوارات والأحداث التى تختصر الرواية وتمنع ملالتها له عين مصور يحرك الكاميرا ببراعة لتنتقى من هذا الجمع الهائل من المناظر وفكر مخرج سينمائى يقود الحركة والفكرة، ماذا تنتظر إذن أيها المؤلف المجهول، أرجوك إظهر قبل أن يختطفها أحد التافهين فيفقدها عبقريتها المعاشة وتفردها الواقعى، إسطورة تدور وقائعها فى الواقع وليس فى السموات أو العوالم الأخرى، أليس هذا ما حلم به أعظم الكتاب عبر التاريخ، طابت لك فاقتطفها.
أما أنا، لقد حاولت أن أكون أنت، أن أكون المؤلف المنتظر، لكننى لم أحسن الصنعة ولا أكن بارعا على نحو يكفى لرصد بارع لاحداث وشخوص الإسطورة، حاولت مداراة الواقع واختصاره فى مساحة صغيرة، نجح الأمر إلا قليلا، لكن أصل الرواية الذى هو مصر وأحداثها كان أبرع وأكثر إبداعا وأغنى أحداثا، عجز خيالى عن مجاراة ما يحدث وتقليده، الآن أشعر بالعجز التام عن الاستمرار، كنت أظن أن الرواية الموازية قد تفعل فعلها وتلم الموضوع، لكن الرواية التى تبحث عن مؤلف كانت أسرع فى تداعى أحداثها وتنامى شخوصها وتعقد حبكتها وتجلى صراعها، وأمام هذا وجدتنى فى لحظة ضيق أستعجل النهاية، فضلت موت البطل واستمرار الوريث القائم بدور الفالن الثانى واختصرت الواقع بصورة فجة. أنا فاشل ولهذا أعلنها أمامك واستعجل قدومك لتنقذ هذه الرواية من الضياع والوقع فى يد كاتب فاشل مثلى، إن لم تجئ – صدقنى - قد يخطفها مخرج هوليودى حقير من محترفى قنص الحكايات العبقرية ليقدمها فيلما يحتل صدارة الشباك، ويحصد المليارات،
أيها المؤلف المنتظر... أرجوك تعالى.